جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أوصني , قال: لاتغضب , فردد مرارًا قال: لاتغضب. أخرجه الإمام البخاري(صحيح البخاري رقم 6116 , الأدب , (10/519) من حديث أبي هريرة ).
ومعنى اجتناب الغضب أن يملك الإنسان نفسه عند الغضب فلا يُقْدم على قول أو فعل يندم عليه في حال الرضى , بحيث يكون كل سلوكه محكوما بعقله السليم في حالتي الغضب والرضى , لا بالغرائز الجامحة .
في البدايه صعب يتحكم الانسان بغضبه
خصوصا اذا كان عصبي جدا بس تدريجيا راح تلاحظون الفرق
وإذا كان سلوك الإنسان محكوما بوحي من عقله السليم فإنه يحوز الخير كله ويبتعد عن الشر كله , لأن العقل السليم ينسجم تماما مع الدين الإسلامي الذي هو فطرة الله التي فطر الناس عليها .
وهكذا جاءت وصية النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الرجل في كلمة واحدة , ولكن هذه الكلمة تتضمن توجيها عاليا نحو السلوك الأمثل , فالإنسان في حال الغضب يتصرف بدافع من عاطفته بعيدا عن تحكم العقل الرشيد , فلا يؤمَن – والحال هذه – عليه أن يتفوه بكلام سفاهة أو أن يعتدي بجوارحه على من غضب عليه,فالحلم عند الغضب ضمان لسلوك المسلم في كف أذاه بلسانه ويده.
وإذا علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل كف الأذى رمزًا للمسلم الحق وذلك في قوله "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" فإننا نعلم سمو المقاصد التي اشتمل عليه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث "لاتغضب" .
ويبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عظمة الإنسان الذي يملك نفسه عند الغضب بقوله "ليس الشديد بالصُّرَعة , إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" أخرجه الإمام البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه(صحيح البخاري رقم 6114 , الأدب ( 10/518) .
فالشديد ليس هو القوي في بدنه الذي يصرع الرجال , وإن كان هذا يعدُّ في عرف الناس شديدًا , إنما الشديد حقا هو الذي يملك نفسه عند الغضب , لأنه استطاع أن يتغلب على ثلاثة :
1- على من أغضبه لأنه حينما يملك نفسه ويحجم عن الرد على مخاصمه يكون قد غلبه بحسن الخلق والسبق إلى الفضيلة , حيث بادر إلى حسم الموقف والقضاء على الفتنة قبل أن يستعر أوارها ويشتد لهيبها .
2 – على شيطانه الذي يبادر إلى حضور الموقف منذ أن يبدأ النزاع ويظهر الغضب .
3 – على شيطان خصمه الذي يحضر أيضا ويشارك في إيقاد نار الفتنة .
ولقد وعد النبي صلى الله عليه وسلم من ملك نفسه عند الغضب بالجزاء العظيم في الآخرة كما جاء في قوله "من كظم غيظا – وهو يستطيع أن ينفذه – دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء"( أخرجه الإمامان أبو داود والترمذي من حديث معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه , وهو حديث حسن(سنن الترمذي رقم 2021 , البر والصلة , باب من جاء في كظم الغيظ , سنن أبي داود رقم 4777 , الأدب و باب من كظم غيظا).
فهذا ثواب جزيل لعمل جليل , فالذي يكظم غيظه ويحكم نفسه فلا يتصرف بما لايليق طاعةً لله تعالى فإنه يستحق هذا الجزاء الكبير , ذلك لأن كبح جماح النفس ساعة الغضب ليس بالشيء اليسير , فإذا فعل الإنسان مايشق عليه ابتغاء رضوان الله تعالى فإنه قد بلغ درجة عالية من الإيمان .
ولقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنواع من السلوك القولي والفعلي بقصد صرف النفس عن أي تصرف يتنافى مع الدين والعقل السليم , فمن ذلك ما أخرجه الإمامان البخاري ومسلم من حديث سليمان بن صُرَد رضي الله عنه قال: استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوس, وأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمر وجهه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه مايجد , لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم , فقالوا للرجل : ألا تسمع مايقول النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: إني لست بمجنون (صحيح البخاري رقم 6115 , الأدب (10/518)،
صحيح مسلم , رقم 2610 , البر ( ص 2015)
وهذا يبين أن صاحب هذا القول إما منافق أو أعرابي لايفقه أمور الدين أما الصحابة رضي الله عنهم فقد كانوا يسارعون إلى تنفيذ أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوجيهاته .
وفي هذا الحديث توجيه إلى أحد الطرق المؤثرة في حماية المسلم من آثار الغضب لأن الشيطان الرجيم هو أحد العوامل المؤثرة في حمل الغاضب على التصرف بما لايليق فإذا استعاذ منه المسلم الغاضب بحضور قلب وتعظيم لله تعالى فإن مفعوله يبطل ويحصل للغاضب الهدوء والسكينة.
وأخرج الإمامان أحمد وأبو داود من خبر أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس , فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع" وهو حديث حسن (سنن أبي داود رقم 4782 , في الأدب باب مايقال عند الغضب مسند أحمد 5/152).
وأخرج الإمام أبو داود من حديث أبي وائل القاص بن عبد الله الصنعاني قال: دخلنا على عروة بن محمد السعدي فكلمه رجل فأغضبه , فقام فتوضأ , فقال : حدثني أبي عن جدي عطية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء , فإذا غضب أحدكم فليتوضأ " وهو حديث حسن (سنن أبي داود رقم 4784 , في الأدب , باب مايقال عند الغضب وأخرجه الإمام أحمد 4/226 ).
فهذه توجيهات نبوية كريمة في مجالي القول والعمل لتخفيف الغضب وتجفيف منابعه, فالقول أولا بالاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم , لأن الشيطان يحضر ساعة الغضب فيحاول أن يوسوس في قلب المسلم ليقول مالا يحسن ويتصرف بما لايليق , ولابد عند الاستعاذة من حضور القلب وذلك بتذكر عظمة الله تعالى وهيمنته على كل شيء , فإن زال الغضب وإلا فإن على الغاضب أن يغير من حاله التي هو عليها فإن كان قائما فليجلس فإن ذهب الغضب وإلا فليضطجع , وذلك لأن لحظات الغضب ثوان معدودات فإذا غير الإنسان من وضعه فإن هذه الثواني تنقضي قبل أن يتصرف بما لايليق , فإن كان الغضب مستحكمًا إلى حد أنه لم ينفع معه ذلك فإن عليه أن يذهب ويتوضأ , وهذا فيه إرغام للشيطان وإبطال لكيده , كما أن المدة التي سيقضيها الغاضب في الوضوء كافية لإزالة كل آثار الغضب .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الملائكة عليهم السلام يحضرون مجالس الخلاف التي تقع بين المؤمنين فيثبِّتون المؤمنين بتسكين قلوبهم ويسددونهم نحو السلوك الأفضل , فإذا استجابوا لنداء النفوس الغضبية فردوا على مخالفيهم بمثل ذلك الكلام الذي أغضبهم غادرتهم الملائكة وحضر الشيطان , وفي هذا المعنى أخرج الإمام أبو داود من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ومعه أصحابه وقع رجل بأبي بكر فآذاه , فصمت أبو بكر , ثم آذاه الثانية فصمت عنه أبو بكر ثم آذاه الثالثة فانتصر منه أبو بكر , فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انتصر أبو بكر فقال أبو بكر : أوَجدتَ عليّ يارسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "نزل ملك من السماء يكذبه بما قال لك :فلما انتصرت وقع الشيطان,فلم أكن لأجلس إذ وقع الشيطان"( سنن أبي داود رقم 4896 – 4897 , الأدب , باب في الانتصار . وهو حديث حسن
انتهى ,
وفقكم الله لما يحب ويرضى ...